ما بعد المشاريع العقارية: لماذا يجب أن يكون الاستثمار الحقيقي في دول الخليج في رأس المال البشري

حان الوقت لبناء الإنسان.. لا الأبراج!

 

كان هذا عنوان مقال كتبته قبل خمسة عشر عامًا لإحدى المجلات المحلية بطلب منهم. لكنني لم أنشره حينها، بعد أن نصحني عدد من الزملاء وحتى المحرر بعدم المضي قدمًا، خشية أن يُفهم المقال بشكل سلبي من قبل بعض التنفيذيين في قطاع العقار (بمن فيهم بعض عملائي في ذلك الوقت!).

 

ومع ذلك، لم يتغير إيماني بالرسالة الجوهرية للمقال: آنذاك، كانت دبي تحديدًا تشهد طفرة عمرانية غير مسبوقة، ومشاريع طموحة ُتعلَن بشكل يومي، قبل أن تقع الأزمة المالية العالمية عام 2008. وقتها، لاحظت إشارات مقلقة و أخطاء شائعة وقعت فيها الكثير من المؤسسات، أهم هذه الأخطاء:

 

عدم التركيز في بناء القدرات المستقبلية: في كل أزمة كبرى – من أزمة 2008، إلى انخفاض أسعار النفط عام 2014، وصولاً إلى جائحة كورونا – كان أول ما يُجمّد هو ميزانيات التدريب والتطوير. هذا النمط قصير النظر ترك الموظفين غير مؤهلين للانتقال بين الأدوار أو التكيف مع التحولات لمواكبة المستقبل.

 

عقلية “الباب الدوّار”': لم تكن سياسة مكتوبة، بل سلوك ساد بين بعض المدراء: "إذا لم يعجبك الوضع، يمكننا استبدالك". غابت ثقافة التطوير والاستثمار في الأفراد و بذل الجهود لإستبقاء الموظفين ، وسادت سياسة الإقصاء السريع و إستبدال الموظفين بآخرين جدد.

 

أماكن العمل أصبحت بمثابة 'صالات الترانزيت': كما وصفها الدكتور فريد مونا، مؤلف كتاب أصبح الموظفون – رغم تنوعهم – يعملون معًا دون أن يتشاركوا فهمًا ثقافيًا أو شعورًا بالانتماء. التركيز كان على “الوجهة” وليس على بناء علاقات عمل صحية. اليوم، نشهد اهتمامًا متزايدًا بمفاهيم التنوع ، والاندماج، والانتماء في أماكن العمل.

 

غياب القادة من المستوى الخامس: في كتابه الشهير "من جيد إلى عظيم"، يصف جيم كولينز قادة المستوى الخامس والذين يجمعون بين التواضع والإرادة الصلبة كقادة مؤهلين لبناء و قيادة مؤسسات ناجحة و مستدامة. في المقابل، كان العديد من التنفيذيين آنذاك هم ممن يصفهم المؤلف كقادة تعتمد غالبا على 'الكاريزما' و الظهور بمظهر يجذب الأنظار ولكنهم يتسمون إما بالتردد أو التركيز على مصالحهم الشخصية.

 

لماذا قررت أن أتطرق إلى هذا الموضوع الآن؟

 

نشهد اليوم مجددًا نموًا في قطاع العقارات في الإمارات، مع توقعات بارتفاع الأسعار بنسبة 8–10% عام 2025، وزيادة في الوظائف بحسب بيانات مؤشر مدراء المشتريات. ومع ذلك، فإن التحديات لم تختفِ:

 

توتر جيوسياسي في المنطقة، خاصة التوترات العسكرية الأخيرة بين الهند و باكستان مثلا، حيث إن هذه الدول تشكل عمالتها النسبة الأكبر من القوى العاملة بالخليج.

 

تقارير تشير إلى أن الأتمتة قد تُلغي 45% من الوظائف الحالية.

 

دخول جيل الألفية إلى سوق العمل وما يحمله من اختلافات في التوقعات والقيم بينهم و الجيل الأكبر سنا.

 

الحاجة الملحة و المتزايدة لتأهيل وتوظيف المواطنين في مختلف القطاعات.

 

 

الخلاصة:

 

في ظل هذا الواقع المتغير، ينبغي على مؤسساتنا أن تركز على تطوير القيادة على جميع المستويات، لا فقط في المناصب العليا. وهذا يتطلب نهجًا جديدًا يراعي:

 

الخصوصية المحلية وقيمها،

 

والخلفية الثقافية للكوادر وعقلياتهم،

 

والجاهزية المستقبلية،

 

وأن تكون النهج شاملا لفساتين المجتمع ، خصوصًا المواهب الوطنية المؤهلة.

 

 

وسؤالي لكم:

 

ما هي الأخطاء التي يمكن أن نتعلم منها ونتفاداها حتى تكون مؤسساتنا في الإمارات ودول الخليج العربي أكثر استعدادًا للمستقبل؟

 

المؤلف: عبدالمطلب (طالب) هاشم

لشركة تي بي اتش للاستشارات

 

Talib Hashim