حرب رسوم ترامب الجمركية : ضرورة للاعتماد الذاتي وفرصة استراتيجية لدولة الإمارات و دول الخليج

شهدت الآونة الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فرض الرسوم الجمركية، والتي كان أبرزها فرض تعريفة جمركية بنسبة 145% على الواردات القادمة من الصين. وبينما أصبحت هذه القضية مادة دسمة للسخرية والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الحقيقة الثابتة هي أن هذه الحرب التجارية قد تسببت في اضطراب سلاسل التوريد العالمية بشكل كبير.

لقد بات واضحًا اليوم أن التكلفة الحقيقية لهذه الحرب الجمركية سيتحملها بشكل أساسي قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بعض الشركات الكبرى التي تعتمد منذ سنوات على التصنيع منخفض التكلفة في الصين. حيث تواجه هذه الشركات الآن تحديات كبيرة تشمل ارتفاع التكاليف، وتعطل سلاسل الإمداد، واحتمالية إعادة توطين الإنتاج، وهي عملية قد تستغرق أكثر من عام.

وعلى صعيد السمعة، بدأت علامات تجارية غربية مشهورة و فاخرة تعاني من انتشار مقاطع مصورة عبر الإنترنت تشير إلى أن العديد من هذه المنتجات يتم تصنيعها في الصين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع الثقة من قبل المستهلكين.

الحرب التجارية بين الولايات المتحدة ودول كبرى مثل الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن تقتصر قراءتها على فرض الرسوم فحسب، بل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار تداعياتها المتوقعة على الحكومات، وقيادات الأعمال، والمجتمعات على حد سواء.

ومن أبرز هذه التداعيات المحتملة:

  • ارتفاع تكاليف الإنتاج وتأخير في توفير المواد الأولية، خاصة المستوردة.

  • خسائر في الوظائف، وتخفيض في الأجور، ولجوء الشركات إلى أسواق أرخص لتوظيف العمالة.

  • تضخم في الأسعار يؤثر على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، مما يضر بقطاع التجزئة.

  • ردود فعل انتقامية، مثل توقف الصين عن شراء 179 طائرة بوينغ كانت مقررة في عام 2027.

  • انخفاض الاستثمارات الأجنبية المتبادلة، وهو ما قد يقلل من شهية المستثمرين لتمويل الشركات الناشئة.

رؤية في رأس المال البشري:

كمتخصصين في مجال المواهب ورأس المال البشري، يقلقنا بشكل خاص الآثار المحتملة على القوى العاملة. من أبرز هذه الآثار:

  • هجرة العقول من دول إلى أخرى. على سبيل المثال، قد تتأثر دول مثل الفلبين وفيتنام ومصر نتيجة الرسوم الجمركية العالية، ما يدفع الكفاءات إلى التوجه نحو دول الخليج أو أوروبا.

  • تصاعد القلق لدى العاملين في قطاعات التصنيع والتصدير مع محاولة الولايات المتحدة تقليل الاعتماد على الواردات.

  • صعود النزعة الوطنية والتركيز على ضرورة الاعتماد المحلي، حيث بدأت دعوات شعبية وسياسية تروج لأهمية الاكتفاء الذاتي ودعم المنتجات والكفاءات المحلية، في مشهد يعكس مفارقة واضحة: عالم مترابط اقتصاديًا وتقنيا، يختار الانعزال تدريجيًا.

خريطة طريق لتعزيز المرونة والنمو في الإمارات والمنطقة الخليجية:

  "العولمة المحلية"نجد أنفستا نتبنى مفهوم القائم على تمكين القدرات المحلية لتصبح لاعبًا فعالًا محليًا وعالميًا.

الواقع أن ما نشهده من فوضى اقتصادية يجب أن تدفع دولة الإمارات ودول مجلس التعاون إلى تسريع خطواتها نحو تعزيز الاكتفاء الذاتي، وهو ما بدأت به بالفعل من خلال مبادرات مثل:

  • "اصنع في الإمارات"

  • "مشروع 300 مليار"الهادفة لرفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031.

  • رؤية السعودية 2030 التي أطلقت مبادرات وطنية في مجالات الصناعة، اللوجستيات، والطاقة المتجددة، مع التركيز على استغلال الثروات المعدنية التي تقدر قيمتها بنحو 2.5 تريليون دولار.

  • مبادرات البحرين والكويت وسلطنة عمان التي تسعى لتعزيز الإنتاج المحلي ورفع كفاءة الكوادر الوطنية.

ما الذي ينبغي على دول الخليج فعله الآن؟

  • تعزيز القدرات المحلية: لا بد من الانتقال من مرحلة التخطيط والنظريات إلى التطبيق العملي الفعلي، مع التركيز على نتائج ملموسة بدلاً من الشعارات الرنانة.

  • توسيع برامج التدريب وإعادة التأهيل: لتأهيل القوى العاملة المحلية للانخراط في قطاعات جديدة أو التحول المهني بسهولة.

  • دعم رواد الأعمال المحليين: من خلال بيئة تشجع الشراكة بين رواد الأعمال المحليين والوافدين، وتفتح آفاق التعاون وتبادل المعرفة.

  • تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص: لضمان خلق فرص عمل محلية، وتحفيز الإنتاج، وتعزيز التكامل الاقتصادي داخل الدولة.

كلمة أخيرة:

ما يحدث اليوم يجب أن يُنظر إليه كفرصة ثمينة لدولنا لتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وتسريع خطواتنا نحو تنويع الاقتصاد وبناء نموذج تنموي أكثر استقلالية ومرونة.

وأترككم مع مقولة أراها ملائمة لهذا المشهد العالمي المتغير:
"في اللغة الصينية، تتكون كلمة أزمة باللغة الإنجليزية من رمزين: أحدهما يمثل الخطر، والآخر يمثل الفرصة."
— جون إف. كينيدي